أنشئت منظمة كلمة الشيخ نفيع الله عشيراف
أنشئت منظمة كلمة الشيخ نفيع الله عشيراف
الشيخ نفيع الله عشيراف
رئيس مركز التنسيق الأعلى
للإدارات الدينية لمسلمي روسيا،
والمفتي العام لمسلمي القسم الآسيوي من روسيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الأخ المحترم سعادة الرئيس السادة أعضاء هيئة الرئاسة المحترمين الأخوة والأخوات أعضاء المؤتمر والضيوف، اسمحوا لي في البداية أن أنقل إليكم تحيات إخوانكم المسلمين في روسيا فالسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، أما بعده:
كما معروف تاريخيا فقد دخل الإسلام الأراضي التي تسمى اليوم بروسيا منذ اكثر من 1100 عام، حيث كانت على هذه الأراضي سابقا عشرات الدول قبل تسرب النصرانية إليها فقد أسلمت شعوبها طوعا نتيجة للعلاقات التجارية ببغداد ونشاط الدعاة الذين جاءوا إلى الدول السابقة الذكر بالكتب والأفكار العلمية المتطورة. ولكن بعد الحملات الفاشية من قبل قياصرة الروس على الدول الإسلامية ذات الثقافة والعلوم المتطورة والمدن الجميلة، اندثرت هذه الدول مما أدى إلى تلاشي مراكز الثقافة المزدهرة واسترخاء عدد كبير من الشعوب المسلمة.
اليوم دخلت الأمة الإسلامية التي عدد أعضائها يتراوح ما بين 25 و 30 مليون نفر وهذا يشتمل على 9 جمهوريات تابعة لروسيا الفدرالية تجد الأمة الإسلامية دخلت مرحلة الازدهار والتعبئة القوية والشريعة وهذا نتيجة نشاط المنظمات الإسلامية التي نشأت بديلا للمراكز الدينية السابقة التي نظمتها السلطة الشيوعية المستبدة من أجل مراقبة حياة ونشاط المسلمين.
من المعروف أنه كان الإسلام يتكبد الخسائر الفادحة في روسيا وعلى مدى التاريخ قد تكبد خسائر كبيرة وفادحة، وذلك نتيجة الحملات العسكرية المستمرة والتي يشنها الجيش القيصري على المناطق المسلمة لغاية قمع الحركات القومية التحررية من قبل المسلمين. وأدى ذلك إلى تشريد ملايين السكان وقتلهم إلى اقفار المدن والمناطق، استخدم جنرالات القيصر خلال حملاتهم العقابية ضد المسلمين أساليب كثيرة منها إحراق الأراضي الزراعية وتخريب المساكن وتسميم الماء العذب وإعدام الغابات والحرث وأصبحت الأر اضي غير صالحة للتعمير من جديد مما أدى هذا إلى موت الناس جميعا أحياناً، كما قتل واضطهد ملايين كثيرة من المسلمين خاصة بعد وقوع الانقلاب الشيوعي الذي استعملت فيه أنواع كثيرة من التعذيب والقهر ضد المسلمين كما كان بداية لتدمير المساجد والمراكز الإسلامية العلمية مثلا بقي سنة 1980م 90 مسجداًفي المناطق المركزية لروسيا التي كان عددها قبل اندلاع الثورة البلشفية 15 ألف مسجدا خلاف منطقة القوقاز والتي كان فيها أكثر من هذا العدد. فنجد حتى عام 1980 لم يتبقى من هذه المساجد غير 90 مسجدا فقط أما البقية فخربت وحولت إلى مطاعم ومستودعات وبعضها إلى مصانع لانتاج الخمور، ونفي مئات الألوف من الأمة والعلماء والمدرسين والدعاة إلى سبيريا فلم يتحملوا الظروف الطبيعية القاسية وماتوا نتيجة العمل الشاق، ولم تقف السلطات الشيوعية في هذا الحد بعد قتل زعماء المسلمين وعلمائهم، وبل وفي أثناء الحرب العالمية الثانية نفيت الشعوب المسلمة بأكملها مع أطفالهم وشيوخهم إلى براري كازخستان غير المعمورة وكذلك إلى غابات سبيريا وطردهم من مناطقهم الأصلية. كما أعدمت جمهوريات إسلامية كاملة وشرد أهلها فحل محلهم غير المسلمين واحتلوا مدناً وقرى بأكملها واستحلوا انعام ومتاع المسلمين بعد تهجيرهم لأن السلطات الشيوعية لم تسمح لهم أن يأخذوا معهم غير 5 كيلوجرام فقط من المأكولات والملابس والأمتعة الشخصية، وهذه الحملات أصابت شعوبا مختلفة مثل بالكار وقراشاي والشيشان والإنغوش ولاترك والتتار وشعوبا أخرى حيث فقدوا في هذا معظمهم.
ولكن اللّه سبحانه وتعالى الذي ابتلى عباده وعدهم بأنه سيظهر الحق وسيزهق الباطل ولنا في رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة فقد هجر أهله ووطنه وهاجر مع أصحابه فثبتهم اللّه ونصر الحق على الباطل وقال اللّه تعالى: (إن وعد اللّه حق) ([1]).
فدمر اللّه النظام الباطل الذي اعتمد عليه مشركو مكة وظهر الحق فدخل النبي(صلى الله عليه وآله) مكة بعد الفتح وتلى قول اللّه تعالى: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) ([2]).
اليوم وفي السنوات الأخيرة أتاح اللّه سبحانه وتعالى الفرصة مرة أخرى لمسلمي روسيا أن يعودوا إلى سبيل الإسلام وهذه الفرصة أتت بعد انهيار النظام الشيوعي بقدرة اللّه فعادت الصحوة الاسلامية وصار الناس يلتمسوا طريق الإسلام، فبالإسلام وحده يعم السلام الحقيقي والهدوء ووحدة المجتمع والتخلص من الاستغلال والاستنزاف بكل صوره وكذلك هضم حقوق المسلمين.
إن اللّه سبحانه وتعالى كرّم الإنسان حيث قال في كتابه الكريم: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً).
ان يعتدى على هذه الكرامة والتي هي عطاء اللّه وفضله على الإنسان فما بالكم بالقهر والتعذيب والقتل وأن ذلك لعقابه شديد، والمتأمل لذلك يجد واضحا اليوم تتهدم جميع الأنظمة المبنية على قمع الإسلام والمسلمين.
أن الإسلام افضل رسالة أنزلها اللّه على عباده فهو شامل لكل الديانات السابقة وخاتمها، فالإسلام هو الهدى والشريعة والقيمة الروحية والطريق السوي للبشر جميعهم، والإسلام الدين الشامل نزل من عند اللّه لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلال والشرك والجهل ومن سيطرة القوي على الضعيف ومن الطغيان والقهر والحروب ومن قوة الدولار والسعي لمتاع الدنيا والتي انعدمت بجانبها قيمة حيات الإنسان واصبح رهينا لضلاله واتباعه لشهواته. فالإنسان عديم الإيمان و فهم شعائر الإسلام يتخبط ويغرق في غمرات ذنوبه تحت تأثير غمرات المخدرات والكحول. أما مسلمو روسيا والشعب الروسي عامة أمام اختبار فأمّا الاستمرار والنزول إلى الهاوية المفسدة والمادية المهدمة لقيمة الإنسان وإمّا الرجوع إلى هدى اللّه والسلام والانسجام والاستقرار في الحياة الدنيا والسرور الخالد والنعيم في الآخرة.
بعد تغيير النظام السياسي في البلاد تهيأت في روسيا الظروف المناسبة للنهضة الإسلامية. لقد بدا ولأول مرة خلال عشرات السنين الأخيرة إعادة بناء المساجد المخربة وفتح المدارس الإسلامية التي لم تكن موجودة في زمن الاتحاد السوفيتي سابقا إلى مدرسة في بخارا والتي كان عدد طلابها 60 طالب فقط. لقد عقد المؤتمر الأول لمسلمي جمهورية باشكوتوستان سنة 1992م تنفيذا لقرار اتخذه الأئمة. ولأول مرة أسست الإدارة الدينية لشؤون المسلمين بدون تدّخل هيئات الدولة، وتقوم الإدارة المذكورة بالاعتناء الخاص بنهضة الإسلام في هذه الجمهورية الموجودة في قلب روسيا، ثم عقدت مثل هذه المؤتمرات في جمهورية تتارستان وفي المنطقة المجاورة لنهر الفولغا وهذا نتيجة لمبادرة الأئمة النشطاء.
فأصبحت المؤتمرات المذكورة والتي أسست فيها المراكز الدينية ذات الأصول الجديدة، حوادث مهمة للغاية في حياة مسلمي روسيا وكان ذلك من أكبر الدوافع في مجال تطوير الإسلام والتعليم الإسلامي حيث بدأت ظهور المدارس الإسلامية على أساس المراكز الدينية الجديدة فتزاحم عليها مئات الطلاب، علاوة على ذلك أرسلت مجموعات كبيرة من شباب المسلمين إلى الخارج طلباً للعلم في الجامعات الإسلامية، وكما اهتمت ببناء المساجد الجديدة وإحياء وتعمير المساجد القديمة الباقية منذ زمن السلطة الشيوعية المستبدة.
ومن أجل جمع الجهود وتنسيق نشاط الإدارات الدينية التابعة لجمهوريات ومناطق مختلفة والمنظمات الإسلامية الأخرى لروسيا والدول المستقلة ودول البلطيق قامت المنظمات المذكورة بتأسيس مركز التنسيق الأعلى للإدارات الدينية لمسلمي روسيا في سنة 1992م وتم تسجيله رسميا في أجهزة الدولة عام 1994م.
في الوقت الحاضر ينتسب إلى مركز الادارات الدينية للجمهوريات والمناطق التالية:
اديغة، با شكيرستان، تتارستان، اينغوشيا، كاباردينابلكار، كاراتشاي، شركيسيا، كومي، اسيتيا الشمالية، الاتيا، موردفيا، المناطق المجاورة لنهر فولغا، ولاية ارنبورغ، سيبيريا والشرق الأقصى والدول البلطيقية، اكرانيا جزيرة القرم.
قام مركز التنسيق بالشجب الصريح وصاح بأعلى صوته ضد هذه الخطوة الإجرامية ضد شعب الشيشان المحب للحرية والذي ضرب باستخدام احدث أنواع الأسلحة. فاتخذت المنظمات الإسلامية التدابير الكثيرة الخاصة بتبليغ العالم اجمع عن كارثة هذا الشعب الشجاع من اجل وجوده واستقلاله.
ومن الخطوات التي اتخذت لتسوية النزاع فقد تم مناقشتها خلال عمل الطاولة المستديرة باشتراك رئيس ومسئولي إدارة شؤون مسلمي روسيا كما تم تدعيم ثمرة المناقشة أعلاه بعدد كبير من الوثائق والتقارير.
أن الدولة الروسية غالتي تكونت نتيجة للحروب الدموية الطويلة ضد الدولة الإسلامية والتي كانت موجودة على حافة روسيا المعاصرة.
رسميا مع النصرانية يعتبر نجاحا كبيرا فأصبح الاعتراف المذكور أولى الخطوات لفتح الحوار مع الكنيسة الروسية الارتودكسية المتمتعة بأسبقية الاعتناء من قبل الدولة رغم بيان الحقوق المتساوية للديانات المثبتة بقانون روسيا.
نتيجة لنشاط مركز التنسيق الأعلى ومبادرته تم توقيع عدة أوراق عمل مشتركة مع عدد من الوزارات على المستوى الفدرالي مما يسمح بحماية حقوق المسلمين واعتبار خصائص دينهم في أثناء فترة الخدمة في الجيش الروسي. وفي إطار النشاطات المذكورة أجرى المركز لقاءات برئيس الكنيسة الروسية وعدد من الوزراء ومديري الإدارات المختلفة.
في الوقت الحاضر توجد علاقات وثيقة بين مركز التنسيق الأعلى وعدد كبير من المنظمات الإسلامية خارج روسيا وكذلك مع سفارات وقادة بعض البلدان الإسلامية والعربية كما في التحرك الدائم مع زعماء ومسلمي روسيا وحرصهم على تقديم الوعود للاشتراك في المؤتمرات الدولية واللقاءات الرسمية والحوارات المختلفة. فان مثل هذه اللقاءات الإسلامية الكبيرة تعطي الفرصة لمجال التعاون بين مركز التنسيق الأعلى لمسلمي روسيا والمنظمات الأخرى كما تهبنا الإحساس والشعور بأننا جزء لا يتجزأ من كيان الأمة الإسلامية العالمية.
وفي عدة مرات قد زار كبار علماء الإسلام بدعوة من المركز وتأكدوا خلال المجتمع الإسلامي لروسيا يشكل عنصرا فعالاً في حياة البلاد الدينية والاقتصادية والسياسية.
في الوقت الراهن يتمتع مركز التنسيق الأعلى بعلاقة وطيدة مع 4000 مسجد و100 مدرسة إسلامية وهذا عن طريق الإدارات الدينية الإقليمية واليوم في معظم البلاد منظمة تعليم اللغة العربية وأصول الدين وذلك بعد توجيه مجلس شورى المفتيين التابع لمركز التنسيق الأعلى بأن يكون كل مسجد مركز لتعليم القرآن وأصول الدين ويجب على كل إمام وخطيب إجراء الدروس المذكورة. فالتعليم الإسلامي بصورة عامة مساهمات المركز، فقام قسم التعليم التابع للمركز بـإسهاماته الفعالة في إرسال الشباب إلى الجامعات الإسلامية المشهورة في القاهرة وتونس ودمشق وبغداد وطرابلس والجامعات الإسلامية في المملكة العربية السعودية والسودان واليمن وماليزيا والمغرب والجزائر وايران وعديد من الدول الأخرى وتنظيم الحج والعمرة للمركز وقد قام خلال الفترة الأخيرة بارسال وفوداً كثيرة من الحجاج لأداء فريضة الحج.
أن مركز التنسيق الأعلى للإدارات الدينية لمسلمي روسيا يضع من أهم مهامه الرئيسية هو تعزيز الوحدة بين المسلمين في روسيا وتنسيق عمل المسلمين والمنظمات الإسلامية وهذا من اجل تأمين الوحدة الإسلامية وإحياء مبادئ القرآن والسنة والحصول على التعايش السلمي بين شعوب روسيا على أساس الاحترام المتبادل والمساوات والحرية وهذه الغاية اعتمادا على قوله تعالى: (واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرقوا) ([3]).
وانطلاقا من هذه المبادئ والتي هي أساس عمل ونشاط مركز التنسيق الأعلى، ندعوا جميع المنظمات الدينية والاجتماعية والسياسية الإسلامية وجميع الاخوة المسلمين للتعاون معنا لرفع كلمة الحق وتثبيت مبادئ ديننا الحنيف.
في الختام تحية خالصة للإخوة المنظمين لهذا الحدث الكبير والعمل الرائع والتحية لكل من أسهم وشارك في قيام هذا المؤتمر والتحية لكل المشتركين والضيوف الكرام.
فلا إله إلا اللّه واللّه أكبر والعزة للإسلام.
والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
الهوامش:
([1]).القصص / 13 .
([2]).الإسراء / 81 .
([3]).آل عمران.